تزخر زغرتا بكنائس أثرية وقديمة يفاخر بها الزغرتاويون، أقدمها، كنيسة سيدة زغرتا الشهيرة. فمع وصول الأهالي من اهدن إلى البلدة الجديدة كان أول عمل اهتموا به بناء كنيسة إلى جانب البرج الشاهق القائم وسط زغرتا. فقبل أن يبدأ الزغرتاويون ببناء بيوتهم، بنوا بيتاً للعذراء مريم شفيعتهم.
العام 1607 سلخ جزء من قلعة زغرتا موقع البرج القبلي الذي كانت فيه كنيسة السيدة، فاعتنى المطران جرجس بن عميرة مع أبناء البلدة بإعادة بناء الكنيسة. والعام 1651 تم توسيعها بمبادرة من المطران الياس الاهدني.
وعندما كثر عدد السكان في زغرتا اهتم الأهالي ببناء كنيسة كبيرة (دائماً على اسم سيدة زغرتا) تستوعب الشعب والزوار في الاحتفالات الدينية. والعام 1761 قام الأهالي بقيادة الشيخ يوسف فرنسيس كرم (جدّ يوسف بك كرم) ببناء كنيسة جديدة كبيرة وهي الكنيسة التي ما تزال قائمة حتى اليوم.
ولما كان البنّاء المشهور حنا صوطو في البلدة يبني أحد القصور، استدعاه الخوري رزق يمين لبناء كنيسة سيدة زغرتا الجديدة، فبناها مثلما رسم له خطوط هندستها الزغرتاويون بالاتفاق مع أعيانهم ومطرانهم آنذاك يواكيم يمين الكبير.
فجاءت الكنيسة آية في الفن المعماري والهندسة الكنسية: كنيسة على الطراز الماروني الصرف، وفي الوقت نفسه قلعة محصّنة سميكة الجدران يعلوها صف دائري من المرامي للحصار والدفاع، وجعل للكنيسة بابين أحدهما للجنوب والآخر للغرب، وهما خفيان يحجب كلاً منهما بناء صغير خارجي كالغرفة بارز عن جدار الكنيسة الأساسي.
وهذا الشكل من الأبواب المؤدي إلى داخل الكنيسة كان القصد فيه منع فرسان الدولة من الدخول بجيادهم إلى حصن الكنيسة كما حصل مراراً في العهد العثماني.
وكانت كنيسة سيدة زغرتا مزدانة بكنوز ثمينة جداً تحوي ستين مصباحاً كبيراً على شكل ثريات من الذهب والفضة، ومقداراً كبيراً من النذور والهبات والتقادم المتوجة بجواهر وسبائك ذهبية وفضية، بما لم يكن له مثيل في كنائس لبنان قاطبة. كما كانت غنية بكتبها الطقسية النفيسة والمطبوعة والمخطوطة.
بيد أن كل هذه الكنوز نهبها الجيش التركي العام 1866 عندما زحف بالآلاف إلى زغرتا لمهاجمة بطل لبنان يوسف بك كرم بأمر من المتصرف داود باشا وحكومة الباب العالي. وقد احتل هذا الجيش الغازي زغرتا وهي خالية من أهاليها فأمعن في السرقة ونهب المنازل ولا سيما كنيسة سيدة زغرتا.
في العام 1935 رممت الكنيسة بشكل جزئي وسريع، تلاه العام 1974 ترميم شامل بحسب الأصول الهندسية الحديثة، قامت به مديرية الآثار اللبنانية على عهد الرئيس سليمان فرنجية.
كما تمّ ترميم صورة سيدة زغرتا الأثرية بشكل فني على يد الراهب اللبناني الأب عبدو بدوي، العـام 1983.
يذكر أن قناصل فرنسا في مدينة طرابلس جعلوا من حصن الكنيسة مقاماً لأضرحتهم وذلك بالتوافق مع مطران اهدن وكهنتها وأعيانها وشعبها.