إنها درّة الكنائس المشيَّدة بحلب في مطلع العصر المتوسط، بناها الأجداد منذ نحو
500 سنة من اليوم وخدموا فيها
أجيالاً وأجيالاً من المؤمنين.
في أواخر القرن الخامس عشر، وبداية القرن السادس عشر، وهو تاريخ رجوع المسيحيين للاستيطان بحلب بعد أن أبادهم هولاكو التتري، وقد أشار إلى ذلك ابن العبري إذ قال " لما كان أهل بعلبك قد أخربوا سقف كنيستنا الحلبية وكنت إذ ذاك مطرانها سنة 1260 استحوذ عليَّ الخوف فذهبت لخدمة هولاكو ملك الملوك فزجني في الحبس بقلعة نجم، وهكذا ظلت طائفتنا الحلبية بدون راع ولكن أغلبهم كانوا يجتمعون في بيعة الروم الملكيين فهجم عليهم التتر وقتلوهم". وأيضا هناك رسالة البطريرك فيلوكسين المؤرخة سنة 1283 يقول فيها عن أبرشية حلب " أنها أقفرت برمتها" ولم يعد ذكرٌ لأساقفة حلب السريان حتى أواخر القرن الخامس عشر.
مما يدل على أن كنيسة السيدة للسريان الكاثوليك بُنيت قبل القرن السادس عشر، بجوار حلب في المحلة التي سموها جديدة، وفي عام 1510 كان لها أول ايكونوموس أي (وكيل الكنيسة)، وهناك ما يقال بأن السريان هم أول من أتوا حلب وانشأوا كنيسة فيها وقدموا من دمشق وحمص وحماة وماردين، وأيضاً يقال بأن السلطان العثماني سليم الثاني (1570-1574) عندما دخل حلب ووجد فيها قلة التجار، نقل إليها أربعين أسرة من التجار المسيحيين القاطنين في المناطق المجاورة واسكنهم في زقاق الأربعين المنسوب إليهم.
أما الكنيسة فقد كانت من أكبر الكنائس المعروفة، إذ يبلغ طولها 32 متراً وعرضها 16متراً.
وفي رواية من مذكرات السائح الروماني بيترو ديلا فالي قبل أن يترك هذه المدينة، لم يتمالك تجشُّم مشاق زيارة كنائس المسيحيين الشرقيين فيقول "أنه وجدها على مسافة قصيرة من حارة الجديدة يميناً. وقد صادف أولاً أربع كنائس متلاصقة في ساحة واحدة فسيحة، يُطل عليها باب واحد، اثنتان للأرمن، الأولى أجملها وهي باسم الأربعين شهيدا،ً والثانية باسم العذراء القديسة، وكنيسة للروم باسم مار نيقولاوس وأخرى هي اصغر الجميع، للموارنة باسم مار الياس، وعلى مسافة ليست بعيدة كنيسة جميلة جداً تشبه بهندستها كنائس بلاده، بثلاثة أسواق وصفّي عواميد، تخص السريان، معروفة باسم (ستنا السيدة). يلاصقها بناء واسع ذو بستان ومكتمل أسباب الراحة المعهودة في الشرق وفيه يسكن بطريرك السريان بطرس هدايا".
في منتصف القرن السابع عشر، أصبح عدد السريان في حلب نحو أربعة آلاف نسمة، اعتنق معظمهم، المذهب الكاثوليكي، وبدأ الصراع حول مرجعية الكنيسة، خاصة وقد كانت الكنيسة ترزح تحت حمل من الديون والغرامات الكبيرة للدولة العثمانية، فقام الكاثوليك متجمعين أي سريان وروم وموارنة بدفع المبلغ الذي وصل إلى حدود 20000 غرش، واعتنق بعد ذلك الكثلكة كل من تبقى من السريان كهنة ورجالاً ونساءً وأطفالاً، وعمَ الفرح أرجاء حلب، وبقيت الكنيسة الأم بيد الطائفة السريانية الكاثوليكية ولم تزل حتى اليوم.
أما اسم كنيسة مار آسيا الحكيم، فقد أطلق عليها سنة 1970 عندما تم تكريس الكنيسة الجديدة والفخمة في حي العزيزية على اسم السيدة، فبطل استعمالها، وبقيت الكنيسة القديمة التي تفتح أبوابها للزوار، و في أيام الاحتفالات الخاصة بالكنيسة.
وفي عام 1996 تم تحويل دار المطرانية الملاصقة لها إلى اكليريكية صغرى خاصة بالطائفة السريانية الكاثوليكية في سوريا، وفق قرار السينودس المقدس وموافقة المطران
أنطوان بيلوني.
وتعيَّن الأب اميل أسود المسؤول عنها فتم ترميم المطرانية القديمة، وعادت الحياة فيها نشطة واعدة حالمة كما كانت سابقاً، وما زالت حتى اليوم تحت رعاية ونظر راعي الأبرشية المطران أنطوان شهدا الذي باشر بترميم الكنيسة بمؤازرة أل جروة الكرام، فأعاد إليها بعض جمالها القديم، وأيضاً المظلَّة الأثرية بمدخل الكنيسة فعادت تزهو بألوانها وجمالها تبهر قلوب السواح والناظرين.