في بلدة عين كفاع منطقة تعج بها الكنائس وذات تاريخ أثري يخبرك عنه العارفون، فيقولون إن مساحتها حوالي ألفي متر مربع وتحتوي على آثار قديمة تدل على تاريخ هذا المكان منذ عصور الرومان، إذ أنها كانت محطة من محطات تنقلاتهم البرية خصوصاً بين جبيل والقلاع الموزعة في المناطق المجاورة. وتشهد على ذلك كنيسة القدّيس روحانا التي بناها الخوري يوحنا ابن الخوري فرج الحداد، وقد عثر على قرطاس في كنيسة تحوم يؤيد ذلك وهو مؤرخ في 15 آذار سنة 1972. وكنيسة مار روحانا ذات بنيان فخم متين مشيّد على بقايا برج قديم آثاره ما زالت ماثلة، فزاويته القبلية الغربية راسخة على حجارة ضخمة كأنها من قلعة بعلبك وإن كان دون الكبرى ضخامة، إلا أن حجارة الهيكلين من مقلع واحد. إما درج الكنيسة فداخلي وهي أشبه بحصار منها بهيكل، وفي خاصرة حنية الكنيسة حجرة مخفية أعدّها القدماء مدفناً لكنوزهم. وبالقرب من هذا المعبد، اكتشف الأثريون مدافن قديمة واستدلوا على منزلة مهمة لمن سكن في هذه الأماكن الأثرية. وقد زار بيار مونته سنة 1922 هذه الآثار وكان أثناءها يتولّى الحفريات في مدينة جبيل، وقد انتهى مونته إلى أساس الهيكل الذي قال عنه بأنه روماني الفن والعمارة وفيه سراديب طويلة كانت تجمع بين أطراف الموقع. وقد عثر مونته على ناووس كبير في زوايا غطائه الثلاث قاعدتان، فيهما نقوش بديعة، وقد نقل هذا الناووس إلى أماكن الحفريات في جبيل. كما عثر على بعض الصحون والكؤوس من الفضة والبرونز، وهذا ما كان يستعمله الرومان.
1000 سنة قبل المسيح زار هذا الموقع العالم دونان الذي كان مسؤولاً بدوره عن حفريات جبيل، فأكد على وجود المدافن وعمقها حوالي 10 أمتار خالية من أي أوان أو عظام، وقد حدد دونان أماكن السور القديم المهدّم مما يدل على أن هذا المركز كان ضمن سور كبير لحمايته. هذه الأعمال الأولية التي قام بها بعض المنقبين عن الآثار كشفت موقعين كبيرين ومستودعات مؤلفة من غرفتين مستطيلتين متلاصقتين كسيت جدرانها بطلاء من الكلس. وهذه الجدران هي كل ما تبقى من الغرفتين، لأن الغرف كلها مع بقية أقسام المعبد قد أتلفها الزمن خصوصاً في الحروب. معظم هذه الآثار يرجع تاريخها إلى الفترة الممتدة إلى ألف سنة قبل المسيح وألف بعده، عندما تحوّلت الامبراطورية إلى بيزنطية فتأثرت بالأشكال الهندسية البيزنطية. على الجبال المحيطة بعين كفاع هياكل عدة يتهددها الدمار ومنها مار عبدا ومار سمعان ومار سركيس. وفي ديار مار عبدا تخفّى المطران يوسف اسطفان حين أهدر الأمير بشير دمه بعد «عاميتي انطلياس ولحفد» ولم يبق من هذا الدير حالياً إلا بقايا قليلة. وقد أورد الأباتي بطرس الحداد الانطوني في مخطوطة « أصول تاريخ عين كفاع » ما حرفيته « اشتهرت عين كفاع بهياكلها ومدافنها القديمة التي اكتشفها الأثريون واستدلّوا على منزلتها كمحطة تاريخية بين الجبل والساحل وفي الطريق الممتد من الشمال حتى الجنوب فبنوا فيها:
- هيكلاً معالمه ما زالت حتى هذه الساعة وقد بنيت عليه كنيسة مار روحانا. - كنيسة مار صوما التي ابتناها متري وولداه جبرايل وبشير الحداد. - كنيسة سيدة النجاة التي شادها بشير بن متري الحداد، أما اليوم فقد خربت وهي ملك الشيخ نعوم الحداد. ويوجد حول القرية كهوف ومغاور تعد بالعشرات أشهرها مغارة سيدة القطين ومعنى القطين الكهف العظيم وهناك بنى الأب بطرس من «خشكار» ديراً للرهبان وذلك في العام 555 وأسماه دير القطين، وقد استعمل في البناء خشب الأرز المقتطع من جبل جاج. ولكنه احترق ولا تزال آثاره قائمة في قلب الصخر وفيه اليوم مزار للسيدة العذراء يحج إليه سكان المنطقة طالبين الشفاء من أمراضهم.