وأخيراً وبعد جهود سنين كثيرة تمَّ تدشين الكاتدرائية الجديدة لأبرشية السريان
الكاثوليك بحلب باسم سيدة الانتقال، وذلك يوم أحد الشعانين سنة 1970. ويمكن أن نقول أنَّ المشروع بدأ منذ عهد المثلث الرحمة
المطران نعساني الذي رصد لها الأرض حصتنا من المقابر المسيحية القديمة في الثلاثينات. ثمّ عمل المثلث الرحمة
المطران هندية على التعويض عمّا اقتُطع منها في سبيل إنشاء الساحة الأمامية وذلك من أراضي البلدية المتاخمة. ثمّ أوصى غبطة أبينا البطريرك على التصاميم وبدأ بجمع التبرعات وبالتنفيذ الفعلي حين كان راعي أبرشية حلب. وأتمَّ العمل بعد ارتقاء غبطته إلى الكرسي البطريركي الأنطاكي سيادة راعينا الجليل.
ونظراً لدنو أسبوع الآلام وعيد القيامة لم يكن من الملائم انتظار موعد التكريس الرسمي المحدد في 17 أيار عيد العنصرة، فدشَّن سيادة راعينا الجليل في أحد الشعانين بقداس احتفالي والرتبة والتطواف التقليديين. وقد جرى التطواف في الحي المجاور بإقبال جماهيري منقطع النظير دلَّ على المستقبل النيّر الذي كان ينتظر الكاتدرائية الجديدة.
وكان قد أُرسل مسبقاً إلى جميع العائلات السريانية كرّاس يحتوي على شرح واف لكافة احتفالات أسبوع الآلام وعيد القيامة مع مواقيتها. وجرى تهيئة التراتيل والطقوس الكنسية باعتناء كبير في اجتماعات متتالية مما أعطى أفضل النتائج. وكانت الكاتدرائية التي تتسع لألف من المؤمنين جلوساً، مكتظة بالمؤمنين جلوساً ووقوفاً ومنهم النساء والشيوخ والأطفال لا يتعبون ولا يملّون جو الحفلات العابق بالتقوى والقداسة، وبالفرح والحماس، وبالارتياح والاعجاب. وكأن هذه العواطف تفاعلت فتضاعفت في مرايا النفوس المتقابلة فانهالت خضمّ سعادة روحية، من سعادة السماء.
ولا بدَّ أن نذكر هنا أتعاب الشمامسة أنطوان شهدا وحكمت بيلوني واميل أسود الذين أتوا لقضاء فترة العيد في وطنهم فلاقوا سعادة العيد مبطّنة بنشوة الخدمة الروحية الناجحة وفوز التضحية الصميمة.
كان موعد أبناء الطائفة والأصدقاء مع تكريس الكنيسة الجديدة يوم الأحد 17 أيار عيد العنصرة. وقد نُظّم ووُزّع على أبناء الطائفة والأصدقاء برنامج مفصَّل لاستقبال صاحب الغبطة
أبينا مار أغناطيوس أنطون الثاني حايك بطريرك السريان الأنطاكي القادم لهذه المهمة الجليلة، وللاحتفالات التي ستقام بهذه المناسبة.
فاستُقبل غبطته وصحبه استقبالاً رسمياً وشعبياً عارماً يوم الخميس 14 أيار الساعة السادسة مساءً عند مشارف حلب أمام تمثال الحرية حيث توافد مع سيادة راعينا الجليل وإكليروسه أصحاب السيادة مطارنة ورؤساء الطوائف المسيحية بحلب مع وفود من الكهنة والرهبان والراهبات والمؤسسات والمنظمات وأبناء الطائفة والأصدقاء. وقد أقبل بصحبة غبطته حضرة الخورأسقف يوسف منيّر والأب يوسف بلدو والأب روفائيل شاهين والسيد عبد المسيح نهابيا الأكرم.
في مساء السبت 16 أيار كان موعد تكريس كاتدرائية سيدة الانتقال الجديدة في الساعة السابعة. فجرى الاحتفال المهيب برئاسة صاحب الغبطة وسيادة راعينا الجليل وسيادة المطرانين ميخائيل جروة وعبد الله رحّال الجليلين وحضور أصحاب السيادة مطارنة حلب الأجلاء واشتراك عدد وفير من الرهبان والراهبات وحشود جماهيرية كبيرة. إنّه احتفال تاريخي لا يجري إلاّ كل بضع مئات من السنين. وقد كان تكريس الكاتدرائية القديمة قد جرى منذ نحو أربعمائة وخمسين سنة.